"مزاين" المواطنين غير الشرفاء !

في زمنٍ قاسٍ و في صحراء جدباء موحشة.. 

كان إجتماع القبيلة و تعاونها فيما بينها ضرورة حياتية لحماية أفرادها من شراسة القبائل الأخرى.. 

من خلال توحيد الصفوف والتحالف مع القبائل الأقوى..

أما اليوم في ظل المدنية فإن إجتماعها وتعاونها تحت أي ذريعة هو ظلمٌ لأفراد القبيلة نفسها قبل غيرهم..

هل سمعت عزيزي القارئ عن قبيلة إجتمعت لمناقشة فساد الأسرة الحاكمة وصراعها الذي أصبحنا نحتاج لبذل الجهد كي لا نراه وليس العكس؟

هل سمعنا عن قبيلة إجتمعت لمناقشة إنخفاض سعر برميل النفط وأثر ذلك على مستقبل المواطن؟

هل سمعنا عن قبيلة إجتمعت لمناقشة السرقات والرشاوي والفساد الإداري والتمييز العرقي والطبقي المقنن؟

فإذا كانت كل تلك المواضيع ليست من أولويات القبيلة.. فعلى ماذا يجتمعون؟ ولماذا عليّ المشاركة معهم في هذه الجريمة؟ 

و لماذا يجب عليّ الإلتزام بإختياراتهم هم؟ و التنازل عن حقي الدستوري في حرية الإختيار؟

أعتقد أن الأسئلة التي تتبادر إلى ذهنك الآن بحسب علمي البسيط هي كالآتي ..

_أليست الأحزاب أيضاً تجتمع لإختيار ممثليها؟ _ _ولماذا يجوز للحزب ما لا يجوز للقبيلة؟

_ولماذا يجب على أعضاء الحزب كذلك الإلتزام بالمخرجات التي أتفقوا عليها والتنازل عن حقهم في حرية الإختيار؟

قبل أن نجيب عن تلك الأسئلة يجب أن نتفق على أن آليتنا في محاولة حل كل مشكلاتنا تقريباً آلية تعيسة.. 

أو بمعنى آخر أن أكبر مشكلاتنا هي آليتنا في حل مشاكلنا.. 

فنحن قومٌ لا نتواضع مع مشاكلنا ولا نعترف بها..  وإن إعترفنا بها فإننا نقبل على الحلول التي تعدنا بالنعيم المطلق حتى و إن كانت مزيفة.. وننفر من الحلول التي تحاول إيجاد الحلول حتى وإن كانت واقعية..

لذلك نقول نعم إن الإلتزام بمخرجات الحزب هو تنازل ضمني منك بحرية إختيارك.. و من الوارد أيضاً أن يتفق الحزب أحياناً على مخرجات سيئة.. بل قد تكون أسوء من مخرجات "المزاين" ولكن..

إعلم عزيزي القارئ أننا لا ننشد الكمال من خلال إختيار الوسيلة التي تمثلنا كشعب تمثيلاً نسبياً.. بل نختار  الوسائل الأقل عيوباً..

ووجود رئيس ديكتاتوري عادل.. و رئيس ديموقراطي فاسد.. لا يعني عدالة الديكتاتورية ولا فساد الديموقراطية..

إن تعريفات كارل بوبر الذي يُعد واحداً من أهم الفلاسفة في القرن العشرين إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.. للديموقراطية بوصفها وسيلة لتمثيل الشعب وليست غاية.. ولمعاييرنا في الإختيار توصد الباب في وجه كل من يحاول قتل الديموقراطية بإسم الديموقراطية.. وحرمان الشعب من التمثيل بإسم تمثيل الشعب..

ولو حاولنا إسقاط تلك المعايير على واقعنا اليوم وعلى الوسائل بكونها الأقل عيوباً والأكثر تمثيلاً..

فستسقط القبيلة بلا شك..

فأنت تملك حرية الإنضمام للحزب الأكثر توافقاً مع أفكارك و رؤيتك ولا تملك حرية الإنضمام إلى "المزاين" الأنسب لأفكارك و رؤيتك  إن كانت لديهم أفكار و رؤى أصلاً_.

كما أن الأحزاب تجتمع لمناقشة تلك المواضيع التي ذكرناها في بداية المقال لأنها يجب أن تكون من صلب إهتمامات المواطن الشريف.. 

أما المواطن غير الشريف فهو من يُفضّل مصالحه الشخصية ومصالح أبناء عمومته على مصلحة وطنه وشعبه وأجياله

تعليقات

المشاركات الشائعة