أحمد شفّط
أحمد شفّط
معاق ذهنياً في شارعنا..
لا تفارق مسجلة الكاسيت الحمراء كتفه الأيمن لتكون بمحاذاة أذنه.. من النادر جداً أن يتحدث مع البشر ولكن إن تحدث فإنه موسوعةموسيقية عربية.. لم يكن أحد يستطيع مجاراته في حفظه لجميع الأغاني.. من فهد السعيد وحجاب بن نحيت إلى باسكال مشعلاني ونوالالزغبي..
لم يكن أحمد شفّط يؤذي أحداً بل على العكس كان الناس هم من يؤذونه..
وعلى الرغم من ذلك فقد كنت أخاف من صوته.. لا أنسى صوت بكاءه القادر على تقطيع شرايين قلب بعير..
ففي أحد ليالي العشر الأواخر وفي هذه الأجواء الإيمانية كنا نذهب لصلاة القيام في المسجد لنسرق اللقيمات والقطايف والفيمتو الذييضعه جيران المسجد للمصلين.. ونقوم بتوزيع الغنائم وما أفاء الله به علينا ورا فرع الجمعية..
وفي أحد الأيام قام أحد الرفاق الحنشل بإبلاغ جده شمشون الجبار.. ولا أعلم حتى الآن ما هي غايته من ذلك فقد كان هو أكثر من يسرقمعنا.. إعتقادي الشخصي أن غايته هي تضخيم الأنا المزيفة وتكفير ذنوبه وحب الظهور بمظهر الولد الصالح الورع..
فضّل شمشمون الجبار القيام بحيلة.. وهي أن لا يواجهنا مباشرة بأقوال حفيده.. بل يداهمنا أثناء توزيع الغنائم لتكتمل أركانالجريمة..وفعلاً هذا ما حدث ولسوء حظ أحمد شفّط أننا إستطعنا إقناعه في تلك الليلة و بصعوبة بالغة بأن يكون معنا ليأكل اللقيماتوالقطايف.. وهذا شئ غير مستغرب فنحن إمتداد لجينات أسلافنا فشخصية البدوي كما وصفها علي الوردي بأنه "نهّاب وهّاب".. يغزيالقبائل الأخرى ليسرقهم ثم يشرع باب مضيفه لإكرام ضيوفه الذي لم يكن يسألهم عن أسمائهم ولا أصولهم ولا مذاهبهم من تلك المسروقات..تلك الجينات كانت الأصلح للبقاء في بيئة صحراوية قاحلة لا تنبت فاكهةً ولا أباً.. ولكنه يمتاز بالوفاء والشجاعة فهو لا يسرق ضيفه ولا جارهوقد يضحي بحياته ثمناً لعهدٍ قطعه..
ولكننا لم نكن بتلك المثالية الأخيرة فما إن داهمنا شمشمون وجحافله من المصلين.. حتى إتهمنا أحمد بالجريمة.. في الحقيقة أثناء المداهمة لاأتذكر إن كان شمشون قد ضرب أحمد أم لا ولكن ما أتذكره جيداً هو صراخ شمشون عليه وتهديده بالعصا بكل ما أوتي الشايب من قسوة و جلافة..
فحدث ذلك المشهد الذي لا أزال أتذكر تفاصيله و لازال صدى صوت أحمد يتكرر في داخلي.. تدرج أحمد بالبكاء والرجفة حتى صاح صيحةتذهل منها كل مرضعةٍ عمّا أرضعت.. صيحة جعلتني أكره كل ظالم على وجه الأرض..
"إن العدالة صرخت في داخلي بأنه لا مساواة بين الناس" هذه المقولة لفريدريتش نيتشه هي أكثر جملة تترجم مشاعري حينها..
لقد ذهب شمشون ليكمل صلاته ويأمن وراء الإمام وهو يدعو الله بأن لا يجعل له ذنباً إلا غفره.. ولا هماً إلا فرجه..
في السابق كنت أتسائل هل سيرضى الله عن شمشون لأنه كان يحضر للصلاة قبل المؤذن؟ هل سيسامحه على تخويفه لأحمد المظلومالعاجز لأنه كان يقرأ سورة الكهف كل جمعة؟
اليوم لم تعد تغري فضولي كل تلك الأسئلة الميتافيزيقية..
أصبح السؤال الذي يدور في ذهني..
ولماذ نسمي أحمد مجنون ونسمي أنفسنا عقلاء؟
ألسنا نحن العقلاء الذين سمينا أنفسنا عقلاء؟
وهل من المعقول أن نصدق ما قلناه عن أنفسنا؟
ولماذا لا نكون نحن المجانين وليس هو؟
أليس إنعزاله مع الموسيقى وإعتزاله البشر وتنمرهم وكذبهم وظلمهم و دجلهم وخرافاتهم وتعصبهم..الخ قرائن تدل على رجاحة عقله؟
أليس قتل 140 ألف إنسان بالقنبلة الذرية في هيروشيما و ضرب الأكراد بالكيماوي..و رمي البراميل المتفجرة على رؤوس العزل في سوريا
و قصف اليمن بالطائرات وتجويع أطفاله وكل تلك الأفعال الجنونية نفذت على يد من سموا أنفسهم عقلاء؟
ختاماً لابد أن أشير إلى ملاحظة:
تعددت الآراء بشأن أصل تسمية "أحمد شفط" فهنالك من يقول أنه كان يشفط برجله عندما يطلبون منه الأطفال ذلك.. ومنهم من قال بأنه فيالسابق كان يشفط باتكس..
وفي الحقيقة كل تلك الآراء هي أساطير.. وأحمد بريئ من ذلك كله براءة الذئب من الخرافات..فلم يكن أحمد يشفط برجله ولم يكن يشفطباتكس.. ولكن يوجد مجنون آخر هو من أشتهرت عنه حركة التشفيط بالأرجل.. وكان أسمه أحمد أيضاً ولكنه إختفى وظهر صديقنا أحمدبعده بفترة ومع أن أحمد الأول شخص مصاب بمتلازمة الداون وبدين بخلاف أحمد صديقنا النحيل.. إلا أن العقلاء لم يفرقوا بينهم.. فأصبحالصغار والكبار النساء والرجال ينادونه "أحمد شفط" دون أن يجد العقلاء سبباً منطقياً لذلك.
معاق ذهنياً في شارعنا..
لا تفارق مسجلة الكاسيت الحمراء كتفه الأيمن لتكون بمحاذاة أذنه.. من النادر جداً أن يتحدث مع البشر ولكن إن تحدث فإنه موسوعةموسيقية عربية.. لم يكن أحد يستطيع مجاراته في حفظه لجميع الأغاني.. من فهد السعيد وحجاب بن نحيت إلى باسكال مشعلاني ونوالالزغبي..
لم يكن أحمد شفّط يؤذي أحداً بل على العكس كان الناس هم من يؤذونه..
وعلى الرغم من ذلك فقد كنت أخاف من صوته.. لا أنسى صوت بكاءه القادر على تقطيع شرايين قلب بعير..
ففي أحد ليالي العشر الأواخر وفي هذه الأجواء الإيمانية كنا نذهب لصلاة القيام في المسجد لنسرق اللقيمات والقطايف والفيمتو الذييضعه جيران المسجد للمصلين.. ونقوم بتوزيع الغنائم وما أفاء الله به علينا ورا فرع الجمعية..
وفي أحد الأيام قام أحد الرفاق الحنشل بإبلاغ جده شمشون الجبار.. ولا أعلم حتى الآن ما هي غايته من ذلك فقد كان هو أكثر من يسرقمعنا.. إعتقادي الشخصي أن غايته هي تضخيم الأنا المزيفة وتكفير ذنوبه وحب الظهور بمظهر الولد الصالح الورع..
فضّل شمشمون الجبار القيام بحيلة.. وهي أن لا يواجهنا مباشرة بأقوال حفيده.. بل يداهمنا أثناء توزيع الغنائم لتكتمل أركانالجريمة..وفعلاً هذا ما حدث ولسوء حظ أحمد شفّط أننا إستطعنا إقناعه في تلك الليلة و بصعوبة بالغة بأن يكون معنا ليأكل اللقيماتوالقطايف.. وهذا شئ غير مستغرب فنحن إمتداد لجينات أسلافنا فشخصية البدوي كما وصفها علي الوردي بأنه "نهّاب وهّاب".. يغزيالقبائل الأخرى ليسرقهم ثم يشرع باب مضيفه لإكرام ضيوفه الذي لم يكن يسألهم عن أسمائهم ولا أصولهم ولا مذاهبهم من تلك المسروقات..تلك الجينات كانت الأصلح للبقاء في بيئة صحراوية قاحلة لا تنبت فاكهةً ولا أباً.. ولكنه يمتاز بالوفاء والشجاعة فهو لا يسرق ضيفه ولا جارهوقد يضحي بحياته ثمناً لعهدٍ قطعه..
ولكننا لم نكن بتلك المثالية الأخيرة فما إن داهمنا شمشمون وجحافله من المصلين.. حتى إتهمنا أحمد بالجريمة.. في الحقيقة أثناء المداهمة لاأتذكر إن كان شمشون قد ضرب أحمد أم لا ولكن ما أتذكره جيداً هو صراخ شمشون عليه وتهديده بالعصا بكل ما أوتي الشايب من قسوة و جلافة..
فحدث ذلك المشهد الذي لا أزال أتذكر تفاصيله و لازال صدى صوت أحمد يتكرر في داخلي.. تدرج أحمد بالبكاء والرجفة حتى صاح صيحةتذهل منها كل مرضعةٍ عمّا أرضعت.. صيحة جعلتني أكره كل ظالم على وجه الأرض..
"إن العدالة صرخت في داخلي بأنه لا مساواة بين الناس" هذه المقولة لفريدريتش نيتشه هي أكثر جملة تترجم مشاعري حينها..
لقد ذهب شمشون ليكمل صلاته ويأمن وراء الإمام وهو يدعو الله بأن لا يجعل له ذنباً إلا غفره.. ولا هماً إلا فرجه..
في السابق كنت أتسائل هل سيرضى الله عن شمشون لأنه كان يحضر للصلاة قبل المؤذن؟ هل سيسامحه على تخويفه لأحمد المظلومالعاجز لأنه كان يقرأ سورة الكهف كل جمعة؟
اليوم لم تعد تغري فضولي كل تلك الأسئلة الميتافيزيقية..
أصبح السؤال الذي يدور في ذهني..
ولماذ نسمي أحمد مجنون ونسمي أنفسنا عقلاء؟
ألسنا نحن العقلاء الذين سمينا أنفسنا عقلاء؟
وهل من المعقول أن نصدق ما قلناه عن أنفسنا؟
ولماذا لا نكون نحن المجانين وليس هو؟
أليس إنعزاله مع الموسيقى وإعتزاله البشر وتنمرهم وكذبهم وظلمهم و دجلهم وخرافاتهم وتعصبهم..الخ قرائن تدل على رجاحة عقله؟
أليس قتل 140 ألف إنسان بالقنبلة الذرية في هيروشيما و ضرب الأكراد بالكيماوي..و رمي البراميل المتفجرة على رؤوس العزل في سوريا
و قصف اليمن بالطائرات وتجويع أطفاله وكل تلك الأفعال الجنونية نفذت على يد من سموا أنفسهم عقلاء؟
ختاماً لابد أن أشير إلى ملاحظة:
تعددت الآراء بشأن أصل تسمية "أحمد شفط" فهنالك من يقول أنه كان يشفط برجله عندما يطلبون منه الأطفال ذلك.. ومنهم من قال بأنه فيالسابق كان يشفط باتكس..
وفي الحقيقة كل تلك الآراء هي أساطير.. وأحمد بريئ من ذلك كله براءة الذئب من الخرافات..فلم يكن أحمد يشفط برجله ولم يكن يشفطباتكس.. ولكن يوجد مجنون آخر هو من أشتهرت عنه حركة التشفيط بالأرجل.. وكان أسمه أحمد أيضاً ولكنه إختفى وظهر صديقنا أحمدبعده بفترة ومع أن أحمد الأول شخص مصاب بمتلازمة الداون وبدين بخلاف أحمد صديقنا النحيل.. إلا أن العقلاء لم يفرقوا بينهم.. فأصبحالصغار والكبار النساء والرجال ينادونه "أحمد شفط" دون أن يجد العقلاء سبباً منطقياً لذلك.
تعليقات
إرسال تعليق